فصل: كِتَابُ آدَابِ الْقَاضِي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجوهرة النيرة شرح مختصر القدوري ***


كِتَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ

هَذَا الْبَابُ لَهُ رُكْنٌ وَشَرْطٌ وَحُكْمٌ فَرُكْنُهُ قَوْلُ الشَّاهِدِ رَجَعْت عَمَّا شَهِدْت بِهِ أَوْ شَهِدْت بِزُورٍ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْقَاضِي وَحُكْمُهُ إيجَابُ التَّعْزِيرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ رَجَعَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِشَهَادَتِهِ أَوْ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِهَا وَالضَّمَانُ مَعَ التَّعْزِيرِ إنْ رَجَعَ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَكَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ مَالًا وَقَدْ أَزَالَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ‏(‏إذَا رَجَعَ الشُّهُودُ عَنْ شَهَادَتِهِمْ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا سَقَطَتْ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ‏)‏ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُتْلِفُوا بِهَا شَيْئًا‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ فَإِنْ حُكِمَ بِشَهَادَتِهِمْ ثُمَّ رَجَعُوا لَمْ يُفْسَخْ الْحُكْمُ وَوَجَبَ عَلَيْهِمْ ضَمَانُ مَا أَتْلَفُوهُ بِشَهَادَتِهِمْ‏)‏ لِأَنَّهُمْ اعْتَرَفُوا بِالتَّعَدِّي فَلَزِمَهُمْ الضَّمَانُ‏(‏قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ‏)‏ لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِلشَّهَادَةِ فَيَخْتَصُّ بِمَا يَخْتَصُّ بِهِ الشَّهَادَةُ مِنْ مَجْلِسِ الْقَاضِي وَالْمُرَادُ أَيُّ حَاكِمٍ كَانَ وَلَا يُشْتَرَطُ الَّذِي حَكَمَ وَفَائِدَةُ قَوْلِهِ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ رُجُوعَهُمَا لَمْ تُقْبَلْ خُصُومَتُهُ وَإِنْ أَرَادَ يَمِينَهُمَا لَا يَحْلِفَانِ وَكَذَا لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ ادَّعَى رُجُوعًا بَاطِلًا‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِمَالٍ فَحَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ‏)‏ لِأَنَّ التَّسَبُّبَ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي سَبَبٌ لِلضَّمَانِ كَمَا فِي الْيَدِ وَقَدْ تَسَبَّبَا لِلْإِتْلَافِ تَعَدِّيًا وَإِنَّمَا يَضْمَنَانِ إذَا قَبَضَ الْمُدَّعِي الْمَالَ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ بِهِ يَتَحَقَّقُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا ضَمِنَ النِّصْفَ‏)‏ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ بَقَاءُ مَنْ بَقِيَ لَا رُجُوعُ مَنْ رَجَعَ وَقَدْ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ نِصْفُ الْحَقِّ‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَ بِالْمَالِ ثَلَاثَةٌ فَرَجَعَ أَحَدُهُمْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ‏)‏ لِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ كُلُّ الْحَقُّ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى الرَّاجِعِ ‏(‏قَوْلُهُ فَإِنْ رَجَعَ آخَرُ ضَمِنَ الرَّاجِعَانِ نِصْفَ الْمَالِ‏)‏ لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ مَنْ يُقْطَعُ بِشَهَادَتِهِ نِصْفُ الْحَقِّ‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَرَجَعَتْ امْرَأَةٌ ضَمِنَتْ رُبُعَ الْحَقِّ‏)‏ لِبَقَاءِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْمَالِ بِبَقَاءِ مَنْ بَقِيَ ‏(‏قَوْلُهُ وَإِنْ رَجَعَتَا ضَمِنَتَا نِصْفَ الْحَقِّ‏)‏ لِأَنَّ بِشَهَادَةِ الرَّجُلِ يَبْقَى نِصْفُ الْحَقِّ‏(‏قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَعَشْرُ نِسْوَةٍ فَرَجَعَ ثَمَانٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِنَّ‏)‏ لِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يُقْطَعُ بِشَهَادَتِهِ كُلُّ الْحَقِّ ‏(‏قَوْلُهُ فَإِنْ رَجَعَتْ أُخْرَى كَانَ عَلَى النِّسْوَةِ رُبُعُ الْحَقِّ‏)‏ لِأَنَّهُ بَقِيَ النِّصْفُ بِشَهَادَةِ الرَّجُلِ وَالرُّبُعُ بِشَهَادَةِ الْبَاقِيَةِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ فَإِنْ رَجَعَ الرَّجُلُ وَالنِّسَاءُ كَانَ عَلَى الرَّجُلِ سُدُسُ الْحَقِّ وَعَلَى النِّسْوَةِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ‏)‏ لِأَنَّهُ انْقَطَعَ بِشَهَادَةِ كُلِّ امْرَأَتَيْنِ مِثْلُ مَا انْقَطَعَ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانُوا سِتَّةَ رِجَالٍ فَرَجَعُوا ضَمِنُوا الْمَالَ أَسْدَاسًا‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ‏:‏ عَلَى الرَّجُلِ النِّصْفُ وَعَلَى النِّسْوَةِ النِّصْفُ‏)‏ لِأَنَّهُنَّ وَإِنْ كَثُرْنَ بِمَنْزِلَةِ وَاحِدَةٍ وَإِنْ رَجَعَ النِّسْوَةُ الْعَشْرُ دُونَ الرَّجُلِ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ الْحَقِّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ لِمَا قُلْنَا إنَّ الِاعْتِبَارَ بِبَقَاءِ مَنْ بَقِيَ وَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَةٌ ثُمَّ رَجَعُوا جَمِيعًا فَالضَّمَانُ عَلَى الرَّجُلَيْنِ دُونَهَا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فَوُجُودُهَا وَعَدَمُهَا سَوَاءٌ لِأَنَّهَا بَعْضُ شَاهِدٍ وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَثَلَاثُ نِسْوَةٍ فَرَجَعَ الرَّجُلُ وَامْرَأَةٌ ضَمِنَ الرَّجُلُ النِّصْفَ وَلَمْ تَضْمَنْ الْمَرْأَةُ شَيْئًا عِنْدَهُمَا وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنَانِ النِّصْفَ أَثْلَاثًا عَلَيْهِ الثُّلُثَانِ وَعَلَيْهَا الثُّلُثُ وَإِنْ رَجَعُوا جَمِيعًا كَانَ عَلَيْهِ النِّصْفُ وَعَلَيْهِنَّ النِّصْفُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهِ خُمُسَا الْمَالِ وَعَلَيْهِنَّ أَخْمَاسُهُ وَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَتَانِ فَرَجَعَ الْمَرْأَتَانِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الرَّجُلَيْنِ يَحْفَظَانِ الْمَالَ فَإِنْ رَجَعَ الرَّجُلَانِ وَبَقِيَ الْمَرْأَتَانِ فَالْمَرْأَتَانِ قَامَتَا بِنِصْفِ الْمَالِ وَعَلَى الرَّجُلَيْنِ نِصْفُ الْمَالِ وَإِنْ رَجَعَ رَجُلٌ وَاحِدٌ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَإِنْ رَجَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ وَبَقِيَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَعَلَى الرَّجُلِوَالْمَرْأَةِ رُبُعُ الْمَالِ أَثْلَاثًا وَإِنْ رَجَعُوا جَمِيعًا كَانَ الضَّمَانُ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ عَلَى الرَّجُلَيْنِ وَالثُّلُثُ عَلَى الْمَرْأَتَيْنِ‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى الْمَرْأَةِ بِالنِّكَاحِ بِمِقْدَارِ مَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ رَجَعَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا‏)‏ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ عَيْنَ مَالٍ بِعِوَضٍ لِأَنَّ الْبُضْعَ عِنْدَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَ الْإِتْلَافِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَا بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا النُّقْصَانَ‏)‏ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَ الْإِتْلَافِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَشْهَدَا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْسِمِائَةٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ ثُمَّ يَرْجِعَانِ فَإِنَّهُمَا لَا يَضْمَنَانِ شَيْئًا لِأَنَّهُمَا لَمْ يُخْرِجَا عَنْ مِلْكِهَا مَا لَهُ قِيمَةٌ وَالْمَالُ يَلْزَمُ بِإِقْرَارِ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى ذَلِكَ لَزِمَهُ بِإِقْرَارِهِ قَالَ فِي الْمُصَفَّى‏:‏ إذَا ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ عَلَى مِائَةٍ وَقَالَتْ‏:‏ هِيَ عَلَى أَلْفٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ فَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ عَلَى مِائَةٍ وَقُضِيَ لَهَا ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا لَا يَضْمَنَانِ لَهَا شَيْئًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنَانِ لَهَا تِسْعَمِائَةٍ بِنَاءً عِنْدَهُمَا عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا إلَى تَمَامِ مَهْرِ مِثْلِهَا فَكَانَ يُقْضَى لَهَا بِأَلْفٍ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا فَقَدْ أَتْلَفَا عَلَيْهَا تِسْعَمِائَةٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فَلَمْ يُتْلِفَا عَلَيْهَا شَيْئًا‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ بِمِقْدَارِ مَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ أَقَلَّ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا‏)‏ لِأَنَّ هَذَا إتْلَافٌ بِعِوَضٍ لِأَنَّ الْبُضْعَ مُتَقَوِّمٌ حَالَ الدُّخُولِ فِي الْمِلْكِ وَالْإِتْلَافُ بِعِوَضٍ كَالْإِتْلَافِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا الزِّيَادَةَ‏)‏ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَاهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ ثُمَّ هَذَا النِّكَاحُ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ فِي الظَّاهِرِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْبَاطِنِ وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَطْؤُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَا بِبَيْعٍ بِمِثْلِ الْقِيمَة أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا‏)‏ لِأَنَّهُمَا حَصَلَا لَهُ بِشَهَادَتِهِمَا مِثْلُ مَا أَزَالَاهُ عَنْ مِلْكِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي يَدَّعِي وَالْبَائِعُ يُنْكِرُ أَمَّا إذَا كَانَ الْبَائِعُ يَدَّعِي وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ يَضْمَنَانِ الزِّيَادَةَ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَا بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ ضَمِنَا النُّقْصَانَ‏)‏ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا هَذَا الْجُزْءَ بِلَا عِوَضٍ‏(‏قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا نِصْفَ الْمَهْرِ‏)‏ لِأَنَّهُمَا أَكَّدَا عَلَيْهِ ضَمَانًا كَانَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ وَالسُّقُوطِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ طَاوَعَتْ ابْنَ الزَّوْجِ أَوْ ارْتَدَّتْ سَقَطَ الْمَهْرُ أَصْلًا وَإِنْ كَانَ لَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا وَضَمِنَ الْمُتْعَةَ رَجَعَ بِهَا أَيْضًا عَلَيْهِمَا‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ لَمْ يَضْمَنَا‏)‏ لِأَنَّ خُرُوجَ الْبُضْعِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ قِيمَةٌ لَهُ وَالْمَهْرُ يَلْزَمُهُ بِالدُّخُولِ فَلَمْ يُتْلِفَا عَلَيْهِ شَيْئًا لَهُ قِيمَةٌ‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا قِيمَتَهُ‏)‏ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا مَالِيَّةَ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَحَوَّلُ إلَيْهِمَا بِهَذَا الضَّمَانِ فَلَا يَتَحَوَّلُ الْوَلَاءُ وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ اسْتَوْلَدَ جَارِيَتَهُ هَذِهِ فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا مَا نَقَصَهَا الِاسْتِيلَادُ وَالْجَارِيَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ عَتَقَتْ وَضَمِنَا قِيمَتَهَا أَمَةً لِأَنَّهَا تَلِفَتْ بِشَهَادَتِهِمَا الْمُتَقَدِّمَةِ فَيَجِبُ ضَمَانُهَا لِلْوَرَثَةِ‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَا بِقِصَاصٍ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْقَتْلِ ضَمِنَا الدِّيَةَ وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُمَا‏)‏ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُبَاشِرَا الْقَتْلَ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُمَا إكْرَاهٌ عَلَيْهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْتَصُّ مِنْهُمَا ثُمَّ عِنْدَنَا يَكُونُ ضَمَانُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِمَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لِأَنَّهُمَا مُعْتَرِفَانِ وَالْعَاقِلَةُ لَا تَعْقِلُ الِاعْتِرَافَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْكَفَّارَةُ وَلَا يُحْرَمَانِ الْمِيرَاثَ بِأَنْ كَانَا وَلَدَيْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُمَا يَرِثَانِهِ‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَإِذَا رَجَعَ شُهُودُ الْفَرْعِ ضَمِنُوا‏)‏ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ صَدَرَتْ مِنْهُمْ فَكَانَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَيْهِمْ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَإِنْ‏)‏ ‏(‏رَجَعَ شُهُودُ الْأَصْلِ‏)‏ يَعْنِي بَعْدَ مَا قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الْفَرْعَيْنِ ‏(‏وَقَالُوا‏:‏ لَمْ نُشْهِدْ شُهُودَ الْفَرْعِ عَلَى شَهَادَتِنَا‏)‏ ‏(‏فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ‏)‏ أَيْ عَلَى الْأُصُولِ لِأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا الْإِشْهَادَ وَلَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَإِنْ قَالُوا‏:‏ أَشْهَدْنَاهُمْ وَغَلِطْنَا ضَمِنُوا‏)‏ هَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْفُرُوعَ نَقَلُوا شَهَادَةَ الْأُصُولِ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَضَرُوا وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأُصُولِ إذَا رَجَعُوا لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ وَإِنْ رَجَعَ الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ فَعِنْدَهُمَا الضَّمَانُ عَلَى الْفُرُوعِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ بِشَهَادَتِهِمْ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْفُرُوعَ أَوْ الْأُصُولَ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ شُهُودُ الْفَرْعِ‏:‏ كَذَبَ شُهُودُ الْأَصْلِ أَوْ غَلِطُوا فِي شَهَادَتِهِمْ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى ذَلِكَ‏)‏ لِأَنَّ مَا أَمْضَى مِنْ الْقَضَاءِ لَا يُنْقَضُ بِقَوْلِهِمْ وَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ مَا رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ إنَّمَا شَهِدُوا عَلَى غَيْرِهِمْ بِالرُّجُوعِ‏(‏قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا وَشَاهِدَانِ بِالْإِحْصَانِ فَرَجَعَ شُهُودُ الْإِحْصَانِ لَمْ يَضْمَنُوا‏)‏ لِأَنَّ شُهُودَ الْإِحْصَانِ غَيْرُ مُوجِبِينَ لِلرَّجْمِ وَإِنَّمَا الْإِحْصَانُ شَرْطٌ فِيهِ كَالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ وَلِأَنَّ الرَّجْمَ عُقُوبَةٌ وَالْإِحْصَانُ لَا يَجُوزُ الْعِقَابُ عَلَيْهِ إذْ هُوَ الْبُلُوغُ وَالْإِسْلَامُ وَالتَّزْوِيجُ وَالْحُرِّيَّةُ وَهَذِهِ مَعَانٍ لَا يُعَاقَبُ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ بِالزِّنَا لَا بِغَيْرِهِ وَلِأَنَّ الْإِحْصَانَ كَانَ مَوْجُودًا فِيهِ قَبْلَ الزِّنَا غَيْرُ مُوجِبٍ لِلرَّجْمِ فَلَمَّا وُجِدَ الزِّنَا بَعْدَ الْإِحْصَانِ وَجَبَ الرَّجْمُ وَإِذَا لَمْ يَجِبْ بِشَهَادَةِ شُهُودِ الْإِحْصَانِ رَجْمٌ لَمْ يَضْمَنُوا بِالرُّجُوعِ‏(‏قَوْلُهُ وَإِذَا رَجَعَ الْمُزَكُّونَ عَنْ التَّزْكِيَةِ ضَمِنُوا‏)‏ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا شَهَادَةَ الشُّهُودِ شَهَادَةً أَلَا تَرَى أَنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّزْكِيَةِ وَعِنْدَهُمَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ أَثْنَوْا عَلَى الشُّهُودِ فَصَارُوا كَشُهُودِ الْإِحْصَانِ وَصُورَتُهُ أَرْبَعَةٌ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَزَكَّوْا فَرُجِمَ فَإِذَا الشُّهُودُ عَبِيدٌ فَالدِّيَةُ عَلَى الْمُزَكِّينَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَعْنَاهُ إذَا رَجَعُوا عَنْ التَّزْكِيَةِ بِأَنْ قَالُوا‏:‏ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ عَبِيدٌ وَمَعَ ذَلِكَ زَكَّيْنَاهُمْ أَمَّا إذَا ثَبَتُوا عَلَى التَّزْكِيَةِ وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَى الشُّهُودِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ كَذِبُ الشُّهُودِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونُوا صُدِّقُوا فِي ذَلِكَ وَلَا يُحَدُّ الشُّهُودُ حَدَّ الْقَذْفِ لِأَنَّهُمْ قَذَفُوا حَيًّا وَقَدْ مَاتَ فَلَا يُورَثُ عِنْدَنَا‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ‏:‏ الدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَقِيلَ‏:‏ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَخْبَرَ الْمُزَكُّونَ بِالْحُرِّيَّةِ بِأَنْ قَالُوا‏:‏ هُمْ أَحْرَارٌ أَمَّا إذَا قَالُوا‏:‏ هُمْ عُدُولٌ فَبَانُوا عَبِيدًا لَا يَضْمَنُونَ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ يَكُونُ عَدْلًا‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالْيَمِينِ وَشَاهِدَانِ بِوُجُودِ الشَّرْطِ ثُمَّ رَجَعُوا فَالضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الْيَمِينِ خَاصَّةً‏)‏ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِالْيَمِينِ وَدُخُولُ الدَّارِ شَرْطٌ فِي ذَلِكَ فَهُمْ كَشُهُودِ الْإِحْصَانِ مَعَ شُهُودِ الزِّنَا وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ يَمِينُ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يَظْهَرُ فِيهِ فَائِدَةٌ لِأَنَّ شُهُودَ الطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا تَظْهَرُ الْفَائِدَةُ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ فِيمَا إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ حَلَفَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ دَخَلَهَا فَحُكِمَ بِعِتْقِ الْعَبْدِ ثُمَّ رَجَعُوا جَمِيعًا فَالضَّمَانُ عَلَى شَاهِدَيْ الْيَمِينِ بِالْعِتْقِ دُونَ شَاهِدَيْ الدُّخُولِ لِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا دَخَلَ الدَّارَ عَتَقَ بِالْيَمِينِ لَا بِالدُّخُولِ فَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَالضَّمَانُ عَلَى شَاهِدَيْ الْيَمِينِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ‏:‏ إنْ ضَرَبَك فُلَانٌ فَأَنْتَ حُرٌّ فَضَرَبَهُ فُلَانٌ يُعْتَقُ الْعَبْدُ وَلَا يَضْمَنُ الضَّارِبُ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِيَمِينِ مَوْلَاهُ لَا بِالضَّرْبِ فَكَذَلِكَ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

كِتَابُ آدَابِ الْقَاضِي

الْأَدَبُ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى كُلِّ رِيَاضَةٍ مَحْمُودَةٍ يَتَخَرَّجُ بِهَا الْإِنْسَانُ فِي فَضِيلَةٍ مِنْ الْفَضَائِلِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَضَاءَ أَمْرٌ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَمَصْلَحَةٌ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ يَجِبُ الْعِنَايَةُ بِهِ لِأَنَّ بِالنَّاسِ إلَيْهِ حَاجَةً عَظِيمَةً قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ‏(‏لَا تَصِحُّ وِلَايَةُ الْقَاضِي حَتَّى يَجْتَمِعَ فِي الْمُوَلَّى شَرَائِطُ الشَّهَادَةِ‏)‏ وَهِيَ الْحُرِّيَّةُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَدَالَةُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُوَلَّى بِلَفْظِ اسْمِ الْمَفْعُولِ وَلَمْ يَقُلْ الْمُتَوَلِّي لِيَكُونَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى تَوْلِيَةِ غَيْرِهِ لَهُ بِدُونِ طَلَبِهِ وَهُوَ الْأَوْلَى لِلْقَاضِي وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ فِيهِ شَرَائِطُ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَمَّا كَانَ فِيهِ نُفُوذُ الْحُكْمِ عَلَى الْغَيْرِ أَشْبَهَ الشَّهَادَةَ الَّتِي تُوجِبُ الْحَقَّ عَلَى الْغَيْرِ قَالَ فِي شَرْحِهِ‏:‏ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُوَلَّى الْقَضَاءَ إلَّا الْمَوْثُوقُ بِعَفَافِهِ وَصَلَاحِهِ وَدِينِهِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ‏)‏ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالسُّنَّةِ وَالْأَحَادِيثِ وَيَعْرِفُ نَاسِخَهَا وَمَنْسُوخَهَا وَعَامَّهَا وَخَاصَّهَا وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ذَلِكَ‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِالدُّخُولِ فِي الْقَضَاءِ لِمَنْ يَثِقُ مِنْ نَفْسِهِ أَنْ يُؤَدِّيَ فَرْضَهُ‏)‏ وَقَدْ دَخَلَ فِي الْقَضَاءِ قَوْمٌ صَالِحُونَ وَاجْتَنَبَهُ قَوْمٌ صَالِحُونَ وَتَرْكُ الدُّخُولِ فِيهِ أَحْوَطُ وَأَسْلَمُ لِلدِّينِ وَالدُّنْيَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ الْعَظِيمِ وَالْأَمْرِ الْمَخُوفِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ الدُّخُولُ فِيهِ لِمَنْ يَخَاف الْعَجْزَ عَنْهُ وَلَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ الْحَيْفَ فِيهِ‏)‏ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ رَجُلٌ عَلِمَ عِلْمًا فَقَضَى بِمَا عَلِمَ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ وَرَجُلٌ جَهِلَ فَقَضَى بِمَا جَهِلَ فَهُوَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ عَلِمَ فَقَضَى بِغَيْرِ مَا عَلِمَ فَهُوَ فِي النَّارِ‏}‏‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَطْلُبَ الْوِلَايَةَ وَلَا يَسْأَلَهَا‏)‏ أَيْ لَا يَطْلُبُهَا بِقَلْبِهِ وَلَا يَسْأَلُهَا بِلِسَانِهِ‏.‏

وَفِي الْيَنَابِيعِ الطَّلَبُ أَنْ يَقُولَ لِلْإِمَامِ وَلِّنِي وَالسُّؤَالُ أَنْ يَقُولَ لِلنَّاسِ‏:‏ لَوْ وَلَّانِي الْإِمَامُ قَضَاءَ مَدِينَةِ كَذَا لَأَجَبْته إلَى ذَلِكَ وَهُوَ يَطْمَعُ أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ فَيُقَلِّدُهُ الْقَضَاءَ وَكُلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏مَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ وُكِلَ إلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ نَزَلَ عَلَيْهِ مَلِكٌ يُسَدِّدُهُ‏}‏‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَمَنْ قُلِّدَ الْقَضَاءَ يُسَلَّمُ إلَيْهِ دِيوَانُ الْقَاضِي الَّذِي قَبْلَهُ‏)‏ وَهِيَ الْخَرَائِطُ الَّتِي فِيهَا السِّجِلَّاتُ وَالصُّكُوكُ وَنُصُبُ الْأَوْصِيَاءِ وَالْقِوَامُ بِأَمْوَالِ الْوَقْفِ ‏(‏قَوْلُهُ وَيَنْظُرُ فِي حَالِ الْمَسْجُونِينَ‏)‏ لِأَنَّهُ نُصِّبَ نَاظِرًا فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ فَمَنْ اعْتَرَفَ مِنْهُمْ بِحَقٍّ أَلْزَمَهُ إيَّاهُ وَمَنْ أَنْكَرَ لَمْ يَقْبَلْ قَوْلَ الْمَعْزُولِ عَلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ‏)‏ يَعْنِي إذَا قَالَ الْمَعْزُولُ إنِّي حَبَسْته بِحَقٍّ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى قَوْلِهِ بِدُونِ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ بِالْعَزْلِ الْتَحَقَ بِسَائِرِ النَّاسِ وَشَهَادَةُ الْفَرْدِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ لَمْ يُعَجِّلْ بِتَخْلِيَتِهِ حَتَّى يُنَادِي عَلَيْهِ وَيَسْتَظْهِرَ فِي أَمْرِهِ‏)‏ وَصُورَةُ النِّدَاءِ أَنْ يُنَادَى فِي مَجْلِسِهِ أَيَّامًا مَنْ كَانَ يَطْلُبُ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ الْمَحْبُوسَ بِحَقٍّ فَلْيَحْضُرْ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ خَصْمٌ أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ وَأَطْلَقَهُ وَإِنَّمَا أَخَذَ الْكَفِيلَ جَوَازَ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَصْمٌ غَائِبٌ فَاسْتُحِبَّ أَنْ يَتَوَثَّقَ فِي ذَلِكَ بِأَخْذِ الْكَفِيلِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَيَنْظُرُ فِي الْوَدَائِعِ وَفِي ارْتِفَاعَاتِ الْوُقُوفِ‏)‏ أَيْ غَلَّاتِ الْوُقُوفِ ‏(‏فَيَعْمَلُ عَلَى‏)‏ حَسَبِ ‏(‏مَا تَقُومُ بِهِ الْبَيِّنَةُ أَوْ يَعْتَرِفُ بِهِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ‏)‏ وَلَا يَقْبَلُ قَوْلَ الْمَعْزُولِ فِي ذَلِكَ‏(‏قَوْلُهُ وَيَجْلِسُ الْحَاكِمُ جُلُوسًا ظَاهِرًا فِي الْمَسْجِدِ‏)‏ كَيْ لَا يَشْتَبِهَ مَكَانُهُ عَلَى الْغُرَبَاءِ وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ فِي جُلُوسِهِ وَيَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُوَفِّقَهُ وَيُسَدِّدَهُ وَيُقْبِلُ عَلَى الْخُصُومِ مُفَرِّغًا نَفْسَهُ لَهُمْ فَإِنْ دَخَلَهُ هَمٌّ أَوْ ضَجَرٌ أَوْ نُعَاسٌ أَوْ غَضَبٌ كَفَّ عَنْ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ اشْتَغَلَ قَلْبُهُ فَلَمْ يَفْهَمْ كَلَامَ الْخُصُومِ وَلَا يَقْضِي وَهُوَ جَائِعٌ أَوْ عَطْشَانُ أَوْ حَاقِنٌ أَوْ حَاقِبٌ أَوْ حَابِسٌ أَوْ مَرِيضٌ لِأَنَّ ذَلِكَ يُشْغِلُ قَلْبَهُ وَلَا يَقْضِي وَهُوَ رَاكِبٌ أَوْ مَاشٍ وَلَا يَرْتَشِي لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ‏}‏ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَّخِذ كَاتِبًا مِنْ أَهْلِ الْعَفَافِ وَالصَّلَاحِ وَيُقْعِدَهُ بِحَيْثُ يَرَى مَا يَكْتُبُ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ عَلَيْهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُون الْكَاتِبُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ قَدْ يُحْتَاجُ إلَى شَهَادَتِهِ‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَلَا يَقْبَلُ هَدِيَّةً إلَّا مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ أَوْ مِمَّنْ جَرَتْ عَادَتُهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِمُهَادَاتِهِ‏)‏ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْقَرِيبِ خُصُومَةٌ أَمَّا إذَا كَانَتْ لَا يَقْبَلُ وَكَذَا الْمُهْدِي إذَا زَادَ عَلَى الْمُعْتَادِ أَوْ كَانَتْ لَهُ خُصُومَةٌ لَا تُقْبَلُ هَدِيَّتُهُ‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَلَا يَحْضُرُ دَعْوَةً إلَّا أَنْ تَكُونَ عَامَّةً‏)‏ وَهِيَ الَّتِي مَا لَوْ عَلِمَ الْمُضَيِّفُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْضُرُهَا يَعْمَلُهَا وَهَذَا أَصَحُّ مَا قِيلَ‏:‏ فِي تَفْسِيرِهَا وَقِيلَ‏:‏ هِيَ دَعْوَةُ الْعُرْسِ وَالْخِتَانِ وَالْخَاصَّةُ هِيَ مَا لَوْ عَلِمَ الْمُضَيِّفُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْضُرُهَا لَمْ يَعْمَلْهَا ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ لَمْ يَفْصِلْ فِي الْخَاصَّةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ لِأَجْنَبِيٍّ أَوْ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ‏.‏

وَفِي الْهِدَايَةِ لَا يُجِيبُهَا إلَّا إذَا كَانَتْ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ‏(‏قَوْلُهُ وَيَشْهَدُ الْجَنَائِزَ وَيَعُودُ الْمَرْضَى‏)‏ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ السُّنَّةِ وَمِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِ فَلَا يَمْنَعُ الْقَضَاءُ مِنْهَا وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَشْهَدُ الْجَنَائِزَ وَيَعُودُ الْمَرْضَى وَهُوَ أَفْضَلُ الْحُكَّامِ‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَلَا يُضَيِّفُ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ دُونَ خَصْمِهِ‏)‏ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ التَّسْوِيَةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُضَيِّفَهُمَا جَمِيعًا لِوُجُودِ التَّسْوِيَةِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ فَإِذَا حَضَرَا سَاوَى بَيْنَهُمَا فِي الْمَجْلِسِ وَالْإِقْبَالِ‏)‏ وَكَذَا فِي النَّظَرِ إلَيْهِمَا وَالْكَلَامِ مَعَهُمَا وَيَنْبَغِي لِمَنْ يَدْخُلُ مَجْلِسَ الْقَاضِي لِأَجْلِ الْخُصُومَةِ أَنْ لَا يُسَلِّمَ عَلَى الْقَاضِي فَإِنْ سَلَّمَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ سَلَامِهِ فَإِنْ أَرَادَ جَوَابَهُ لَا يَزِيدُ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَيُسَلِّمُ الشَّاهِدُ عَلَى الْقَاضِي وَيَرُدُّ عَلَيْهِ ثُمَّ إذَا سَمِعَ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ وَلَمْ يَحْكُمْ بِهَا حَتَّى غَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَكَمَ بِهَا وَلَا يَنْتَظِرُ عَوْدَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ‏:‏ لَا بُدَّ مِنْ إحْضَارِهِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَلَا يُسَارِرْ أَحَدَهُمَا وَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ وَلَا يُلَقِّنُهُ حُجَّةً‏)‏ لِأَنَّ فِيهِ كَسْرَ قَلْبِ الْآخَرِ وَإِضْعَافًا لَهُ وَكَذَا لَا يَرْفَعْ صَوْتَهُ عَلَى أَحَدِهِمَا مَا لَمْ يَرْفَعْهُ عَلَى الْآخَرِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُدْهِشُهُ وَرُبَّمَا تَحَيَّرَ وَتَرَكَ حَقَّهُ وَكَذَا لَا يَضْحَكُ فِي وَجْهِ أَحَدِهِمَا دُونَ صَاحِبِهِ‏(‏قَوْلُهُ فَإِذَا ثَبَتَ الْحَقُّ عِنْدَهُ وَطَلَبَ صَاحِبُ الْحَقِّ حَبْسَ غَرِيمِهِ لَمْ يُعَجِّلْ بِحَبْسِهِ وَأَمَرَهُ بِدَفْعِ مَا عَلَيْهِ‏)‏ لِأَنَّ الْحَبْسَ إنَّمَا هُوَ جَزَاءُ الْمُمَاطَلَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِهَا وَهَذَا إذَا ثَبَتَ الْحَقُّ بِإِقْرَارِهِ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ كَوْنَهُ مُمَاطِلًا فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ فَلَعَلَّهُ طَمِعَ فِي الْإِمْهَالِ فَلَمْ يَسْتَصْحِبْ الْمَالَ فَإِذَا امْتَنَعَ بَعْدَ ذَلِكَ حَبَسَهُ وَأَمَّا إذَا ثَبَتَ الْحَقُّ بِالْبَيِّنَةِ حَبَسَهُ حَتَّى يُثْبِتَ لِظُهُورِ الْمَطْلِ بِإِنْكَارِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا طَمِعَ الْحَاكِمُ فِي أَنْ يَصْطَلِحَ الْخَصْمَانِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَرُدَّهُمَا وَلَا يَنْفُذُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا لَعَلَّهُمَا يَصْطَلِحَانِ أَوْ يُعْلِمُهُمَا أَنَّ الصُّلْحَ خَيْرٌ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رُدُّوا الْخُصُومَ كَيْ يَصْطَلِحُونَ فَإِنَّ فَصْلَ الْقَضَاءِ يُوَرِّثُ الضَّغَائِنَ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّهُمْ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّتَيْنِ ‏(‏قَوْلُهُ فَإِنْ امْتَنَعَ حَبَسَهُ فِي كُلِّ دَيْنٍ لَزِمَهُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ حَصَلَ فِي يَدِهِ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَبَدَلِ الْقَرْضِ أَوْ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ كَالْمَهْرِ وَالْكَفَالَةِ‏)‏ لِأَنَّهُ إذَا حَصَلَ الْمَالُ فِي يَدِهِ ثَبَتَ غِنَاهُ وَإِنَّمَا يَحْبِسُهُ إذَا كَانَ مُوسِرًا أَمَّا إذَا كَانَ مُعْسِرًا لَا يَحْبِسُهُ وَأَمَّا الْمَهْرُ فَالْمُرَادُ بِهِ الْمُعَجَّلُ دُونَ الْمُؤَجَّلِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَلَا يَحْبِسُهُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ‏)‏ كَعِوَضِ الْمَغْصُوبِ وَأَرْشِ الْجِنَايَاتِ‏.‏

‏(‏إذَا قَالَ‏:‏ إنِّي فَقِيرٌ‏)‏ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ غَرِيمُهُ أَنَّ لَهُ مَالًا فَيَحْبِسُهُ حِينَئِذٍ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَيَحْبِسُهُ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً ثُمَّ يَسْأَلُ عَنْهُ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ خَلَّى سَبِيلَهُ‏)‏ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْإِنْظَارَ إلَى الْمَيْسَرَةِ فَيَكُونُ حَبْسُهُ بَعْدَ ذَلِكَ ظُلْمًا وَلَيْسَ تَقْدِيرُ مُدَّةِ حَبْسِهِ بِشَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ بِلَازِمٍ بَلْ التَّقْدِيرُ فِيهِ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِيهِ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُضْجِرُهُ الْحَبْسُ الْقَلِيلُوَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُضْجِرُهُ الْكَثِيرُ فَفُوِّضَ ذَلِكَ إلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ فَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إفْلَاسِهِ قَبْلَ حَبْسِهِ أَوْ قَبْلَ الْمُدَّةِ تُقْبَلُ فِي رِوَايَةٍ وَلَا تُقْبَلُ فِي أُخْرَى وَهِيَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تَطَّلِعُ عَلَى إعْسَارِهِ وَلَا يَسَارِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ مَخْبُوءٌ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الشُّهُودُ فَلَا بُدَّ مِنْ حَبْسِهِ ثُمَّ إذَا حَبَسَهُ الْقَاضِي الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ وَسَأَلَ عَنْهُ فَأُخْبِرَ بِإِعْسَارِهِ أَخْرَجَهُ مِنْ الْحَبْسِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ بَلْ إذَا أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ ثِقَةٌ عَمِلَ بِقَوْلِهِ وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَالُ حَالَ مُنَازَعَةٍ أَمَّا إذَا كَانَ بِأَنْ ادَّعَى الْمَطْلُوبُ الْإِعْسَارَ وَقَالَ الطَّالِبُ‏:‏ هُوَ مُوسِرٌ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ‏.‏قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُرَمَائِهِ‏)‏ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْحَبْسِ فَإِنْ دَخَلَ دَارِهِ لِحَاجَةٍ لَا يَتْبَعُونَهُ بَلْ يَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يَخْرُجَ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لِرَجُلٍ عَلَى امْرَأَةٍ لَا يُلَازِمُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَلْوَةِ بِهَا وَلَكِنْ يَبْعَثُ امْرَأَةً أَمِينَةً تُلَازِمُهَا‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَيُحْبَسُ الرَّجُلُ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ ظَالِمٌ بِالِامْتِنَاعِ عَنْهَا وَيُحْبَسُ أَيْضًا فِي دَيْنِ مُكَاتَبِهِ وَعَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ وَلَا يُحْبَسُ الْمُكَاتَبُ لِمَوْلَاهُ بِدَيْنِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ ظَالِمًا بِذَلِكَ وَالْحَبْسُ إنَّمَا هُوَ جَزَاءُ الظُّلْمِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَلَا يُحْبَسُ وَالِدٌ فِي دَيْنِ وَلَدِهِ‏)‏ يَعْنِي لَا يُحْبَسُ الْوَالِدُونَ وَإِنْ عَلَوْا لِأَجْلِ دَيْنِ الْوَلَدِ لِأَنَّ الْحَبْسَ نَوْعُ عُقُوبَةٍ فَلَا يَسْتَحِقُّهَا الْوَلَدُ عَلَى وَالِدَيْهِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا‏}‏ وَالْحَبْسُ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ ‏(‏قَوْلُهُ وَيُحْبَسُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ‏)‏ إذَا كَانَ صَغِيرًا فَقِيرًا لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إحْيَاءَ الْوَلَدِ وَالنَّفَقَةُ لَا تُسْتَدْرَكُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ بِخِلَافِ دَيْنِ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ إنَّمَا لَا يُحْبَسُ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ إذَا كَانَ الْمَدْيُون صَغِيرًا وَلَهُ وَلِيٌّ يَجُوزُ لَهُ قَضَاءُ دُيُونِهِ وَلِلصَّغِيرِ مَالٌ حَبَسَ الْقَاضِي الْوَلِيَّ إذَا امْتَنَعَ مِنْ قَضَاءِ دُيُونِهِ‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَيَجُوزُ قَضَاءُ الْمَرْأَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ‏)‏ اعْتِبَارًا لِشَهَادَتِهَا‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَيُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الْحُقُوقِ إذَا شَهِدَ بِهَا عِنْدَهُ‏)‏ يُرِيدُ بِهِ مِنْ قَاضِي مِصْرٍ إلَى قَاضِي آخَرَ وَمِنْ قَاضِي مِصْرٍ إلَى قَاضِي رُسْتَاقَ وَلَا يُقْبَلُ كِتَابُ قَاضِي الرُّسْتَاقِ إذَا وَرَدَ عَلَى قَاضِي مِصْرٍ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَأَمَّا شَرْطُ الشَّهَادَةِ فَلِأَنَّ الْقَاضِيَ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَّا بِهَا وَقَوْلُهُ إذَا شَهِدَ بِهَا عِنْدَهُ يَعْنِي بِالْحُقُوقِ وَيَرْوِي بِهِ عِنْدَهُ أَيْ بِالْكِتَابِ وَإِنَّمَا يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ سَفَرِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا أَمَّا إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا تُقْبَلُ‏.‏

وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ إذَا كَانَ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ قَاضِيَانِ جَازَ كِتَابُ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ فِي الْأَحْكَامِ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَلَوْ مَاتَ الْقَاضِي الْكَاتِبُ أَوْ عُزِلَ قَبْلَ وُصُولِ كِتَابِهِ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ لَا يُعْمَلُ بِهِ لِأَنَّ كِتَابَهُ يَقُومُ مَقَامَ خِطَابِهِ وَخِطَابُهُ بَعْدَ الْعَزْلِ لَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمٌ وَبَعْدَ الْمَوْتِ يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ كِتَابُهُ بِمَنْزِلَةِ خِطَابِهِ لِأَنَّ خِطَابَهُ قَدْ بَطَلَ وَإِنْ وَصَلَ إلَيْهِ الْكِتَابُ فَقَرَأَهُ ثُمَّ مَاتَ الْكَاتِبُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ عُزِلَ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَإِنْ مَاتَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ أَوَّلًا أَوْ عُزِلَ وَوَلِيَ غَيْرُهُ الْقَضَاءَ لَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ الْكِتَابَ لِأَنَّهُ كَتَبَ إلَى غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ مَاتَ الْخَصْمُ يَنْفُذُ الْكِتَابُ عَلَى وَرَثَتِهِ لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ ‏(‏قَوْلُهُ فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى خَصْمٍ حُكِمَ بِالشَّهَادَةِ وَكُتِبَ بِحُكْمِهِ‏)‏ صُورَتُهُ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَلْفًا وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً أَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ يَكْتُبُ هَذَا الْقَاضِي كِتَابًا إلَى ذَلِكَ الْقَاضِي مَخَافَةَ أَنْ يُنْكِرَهُ فَيَأْخُذُهُ بِالْكِتَابِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدُوا بِغَيْرِ حَضْرَةِ خَصْمٍ لَمْ يُحْكَمْ‏)‏ أَيْ إنْ شَهِدُوا عِنْدَ الْقَاضِي الْكَاتِبِ وَقَوْلُهُوَكَتَبَ بِالشَّهَادَةِ لِيَحْكُمَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِهَا وَإِنَّمَا يَحْكُمُ بِهَا لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا مَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ خَصْمٌ حَاضِرٌ وَإِذَا لَمْ يَجُزْ الْقَضَاءُ كَانَ كِتَابُهُ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ فِي إثْبَاتِ الْحَقِّ فَكَأَنَّهُ شَهِدَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَلَا يَقْبَلُ الْكِتَابَ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ‏)‏ لِأَنَّ الْكِتَابَ يُشْبِهُ الْكِتَابَ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَيَجِبُ أَنْ يَقْرَأَهُ عَلَيْهِمْ لِيَعْرِفُوا مَا فِيهِ‏)‏ أَوْ يُعْلِمَهُمْ بِهِ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ بِدُونِ الْعِلْمِ ‏(‏ثُمَّ يَخْتِمُهُ بِحَضْرَتِهِمْ وَيُسَلِّمُهُ إلَيْهِمْ‏)‏ كَيْ لَا يُتَوَهَّمَ التَّغْيِيرُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ عِلْمَ مَا فِي الْكِتَابِ وَالْخَتْمِ بِحَضْرَتِهِمْ شَرْطٌ عِنْدَهُمَا وَكَذَا حِفْظُ مَا فِي الْكِتَابِ أَيْضًا عِنْدَهُمَا شَرْطٌ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ شَرْطًا وَالشَّرْطُ أَنْ يُشْهِدَهُمْ أَنَّ هَذَا كِتَابُهُ وَخَتْمُهُ وَاخْتَارَ السَّرَخْسِيُّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَلَا يَفْتَحُهُ حَتَّى يَسْأَلَهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَمَّا فِي الْكِتَابِ وَيَقُولُ هَلْ قَرَأَهُ عَلَيْكُمْ وَهَلْ خَتَمَهُ بِحَضْرَتِكُمْ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ لَا أَوْ قَرَأَهُ عَلَيْنَا وَلَمْ يَخْتِمْهُ بِحَضْرَتِنَا أَوْ خَتَمَهُ بِحَضْرَتِنَا وَلَمْ يَقْرَأْهُ عَلَيْنَا لَا يَفْتَحُهُ وَإِنْ قَالُوا‏:‏ نَعَمْ قَرَأَهُ عَلَيْنَا وَخَتَمَهُ بِحَضْرَتِنَا فَتَحَهُ حِينَئِذٍ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَإِذَا وَصَلَ إلَى الْقَاضِي لَمْ يَقْبَلْهُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْخَصْمِ‏)‏ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ وَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ حُضُورِ الْمَشْهُودِ لَهُ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ وَالشَّهَادَةُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِمُدَّعٍ وَخَصْمٍ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ فَإِذَا سَلَّمَهُ الشُّهُودُ إلَيْهِ نَظَرَ إلَى خَتْمِهِ فَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ كِتَابُ فُلَانٍ الْقَاضِي سَلَّمَهُ إلَيْنَا فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ وَقَرَأَهُ عَلَيْنَا وَخَتَمَهُ فَضَّهُ حِينَئِذٍ وَقَرَأَهُ عَلَى الْخَصْمِ وَأَلْزَمَهُ مَا فِيهِ‏)‏ وَمَعْنَى قَوْلِهِ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ أَيْ فِي مَجْلِسٍ يَصِحُّ حُكْمُهُ فِيهِ حَتَّى لَوْ سَلَّمَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ لَا يَصِحُّ كَذَا فِي شَاهَانْ وَقَوْلُهُ وَقَرَأَهُ عَلَيْنَا فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَقُولُوا‏:‏ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ إذَا شَهِدُوا أَنَّ هَذَا كِتَابُ فُلَانٍ الْقَاضِي قَبِلَهُ وَإِنْ لَمْ يَقُولُوا‏:‏ قَرَأَهُ عَلَيْنَا‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَلَا يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ‏)‏ لِأَنَّهُمَا يَسْقُطَانِ بِالشُّبْهَةِ وَفِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي شُبْهَةٌ لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَيُمْكِنُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْقَاضِي وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلَى الْقَضَاءِ إلَّا أَنْ يُفَوَّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ‏)‏ لِأَنَّهُ قَلَّدَ الْقَضَاءَ دُونَ التَّقْلِيدِ فِيهِ فَصَارَ كَتَوْكِيلِ الْوَكِيلِ وَلِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ كَالْوَكِيلِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ إلَّا إذَا قِيلَ‏:‏ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك وَهُنَا إذَا قَالَ لَهُ الْإِمَامُ‏:‏ وَلِّ مَنْ شِئْت فَإِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِخْلَافِ وَمِنْ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْقَاضِي فِي مَعْنَى الْوَكِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ فِي غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي جُعِلَ إلَيْهِ كَمَا لَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَتَصَرَّفَ إلَّا فِيمَا جُعِلَ إلَيْهِ فَإِنْ قَضَى الْمُسْتَخْلَفُ بِمَحْضَرِ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ قَضَى الْمُسْتَخْلَفُ فَأَجَازَ الْأَوَّلُ جَازَ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ لِأَنَّهُ حَضَرَ رَأْيَ الْأَوَّلِ وَهُوَ الشَّرْطُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْقُضَاةَ لَا يَنْعَزِلُونَ بِمَوْتِ الْأُمَرَاءِ وَلَا الْأُمَرَاءُ وَالْقُضَاةُ بِمَوْتِ الْخَلِيفَةِ لِأَنَّهُمْ نُوَّابٌ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ بَاقُونَ وَلَا يَنْعَزِلُ السُّلْطَانُ بِمَوْتِ الْخَلِيفَةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَإِذَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي حُكْمُ حَاكِمٍ آخَرَ أَمْضَاهُ إلَّا أَنْ يُخَالِفَ الْكِتَابَ أَوْ السُّنَّةَ أَوْ الْإِجْمَاعَ أَوْ يَكُونَ قَوْلًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ‏)‏ مُخَالَفَةُ الْكِتَابِ مِثْلُ الْحُكْمِ بِحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا وَالْحُكْمُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ‏}‏ وَمُخَالَفَةُ السُّنَّةِ كَحِلِّ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا بِنَفْسِ الْعَقْدِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَوْلُهُ وَالْإِجْمَاعُ مِثْلُ تَجْوِيزِ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَلَا يَقْضِي الْقَاضِي عَلَى غَائِبٍ‏)‏ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ وَالْإِنْكَارَ مِنْ الْخَصْمِ فَيَشْتَبِهُ وَجْهُ الْقَضَاءِ وَلِأَنَّ الْغَائِبَ لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ لَهُ فَكَذَا لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ‏)‏ كَالْوَكِيلِ أَوْ مَنْ نَصَّبَهُ الْقَاضِي‏(‏قَوْلُهُ وَإِذَا حَكَّمَ رَجُلَانِ رَجُلًا لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا وَرَضِيَا بِحُكْمِهِ جَازَ إذَا كَانَ الْمُحَكَّمُ بِصِفَةِ الْحَاكِمِ‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ كَافِرًا وَلَا عَبْدًا وَلَا صَبِيًّا وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَقْتَ التَّحْكِيمِ وَالْحُكْمِ حَتَّى لَوْ كَانَ وَقْتَ التَّحْكِيمِ عَبْدًا ثُمَّ أُعْتِقَ أَوْ صَبِيًّا فَبَلَغَ أَوْ كَافِرًا فَأَسْلَمَ وَحَكَمَ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ وَيُرْوَى أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ عُمَرَ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مُخَاصَمَةٌ فَحَكَّمَا بَيْنَهُمَا زَيْدَ بْنُ ثَابِتٍ فَأَتَيَاهُ فَخَرَجَ إلَيْهِمَا فَقَالَ زَيْدٌ لِعُمَرَ هَلَّا بَعَثْت إلَيَّ فَآتِيك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ عُمَرُ فِي بَيْتِهِ يُؤْتَى الْحُكْمُ فَأَلْقَى لِعُمَرَ وِسَادَةً فَقَالَ عُمَرُ هَذَا أَوَّلُ الْجَوْرِ وَكَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى عُمَرَ فَقَالَ زَيْدٌ لِأُبَيٍّ لَوْ أَعْفَيْت عَنْهَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ عُمَرُ يَمِينٌ لَزِمَتْنِي بَلْ أَحْلِفُ فَقَالَ أُبَيٌّ بَلْ نُعْفِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْهَا وَنُصَدِّقُهُ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّحْكِيمِ وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَكُونُ قَاضِيًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا حَكَّمَاهُ لِفِقْهِهِ وَقَدْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْفِقْهِ فِيهِمْ حَتَّى رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَخْتَلِفُ إلَيْهِ وَيَأْخُذُ بِرِكَابِهِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَبَ وَقَالَ هَكَذَا أُمِرْنَا بِأَنْ نَصْنَعَ بِفُقَهَائِنَا فَيُقَبِّلُ زَيْدٌ يَدَهُ وَيَقُولُ هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَصْنَعَ بِأَشْرَافِنَا وَأَمَّا وَضْعُ زَيْدٍ الْوِسَادَةَ لِعُمَرَ فَامْتِثَالٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏إذَا أَتَاكُمْ كَرِيمُ قَوْمٍ فَأَكْرِمُوهُ‏}‏ وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَحْسِنْهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَفِي قَوْلِهِ هَذَا أَوَّلُ الْجَوْرِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ يَخْفَى عَلَى زَيْدٍ لَكِنْ وَقَعَ عِنْدَهُ أَنَّ الْمُحَكَّمَ فِي هَذَا لَيْسَ كَالْقَاضِي فَبَيَّنَ لَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ فِي حَقِّ الْخَصْمَيْنِ كَالْقَاضِي‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ تَحْكِيمُ الْكَافِرِ وَالْعَبْدِ الذِّمِّيِّ وَالْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ وَالْفَاسِقِ وَالصَّبِيِّ‏)‏ لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ مِنْهُمْ اعْتِبَارًا بِأَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَكَّمَيْنِ أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ يَحْكُمُ عَلَيْهِمَا‏)‏ لِأَنَّهُ مُقَلَّدٌ مِنْ جِهَتِهِمَا فَلَا يَحْكُمُ إلَّا بِرِضَاهُمَا‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ فَإِذَا حَكَمَ لَزِمَهُمَا‏)‏ يَعْنِي إذَا حَكَمَ عَلَيْهِمَا قَبْلَ الرُّجُوعِ لِصُدُورِ حُكْمِهِ عَنْ وِلَايَةٍ عَلَيْهِمَا‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَإِذَا رُفِعَ ذَلِكَ الْحُكْمُ إلَى الْقَاضِي فَوَافَقَ مَذْهَبَهُ أَمْضَاهُ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي نَقْضِهِ ثُمَّ إبْرَامِهِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ وَفَائِدَةُ إمْضَائِهِ هَهُنَا أَنَّهُ لَوْ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ يُخَالِفُ مَذْهَبَهُ لَيْسَ لِذَلِكَ الْقَاضِي النَّقْضُ فِيمَا أَمْضَاهُ هَذَا الْقَاضِي‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَإِنْ خَالَفَهُ أَبْطَلَهُ‏)‏ لِأَنَّهُ حُكْمٌ لَمْ يُصْدَرْ عَنْ وِلَايَةِ الْإِمَامِ وَإِنْ حَكَّمَا رَجُلَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى دَمِهِمَا وَلِهَذَا لَا يَمْلِكَانِ إبَاحَتَهُ وَلِأَنَّ الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ يَسْقُطَانِ بِالشُّبْهَةِ وَنُقْصَانُ وِلَايَةِ الْمُحَكَّمِ شُبْهَةٌ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ كَشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ‏.‏

وَفِي الذَّخِيرَةِ تَجُوزُ فِي الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَإِذَا حَكَّمَا فِي دَمِ الْخَطَأِ فَقَضَى الْحَاكِمُ بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ إذْ لَا تَحْكِيمَ مِنْ جِهَتِهِمْ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَ الْبَيِّنَةَ وَيَقْضِيَ بِالنُّكُولِ‏)‏ وَكَذَا بِالْإِقْرَارِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مُوَافِقٌ لِلشَّرْعِ‏.‏‏(‏قَوْلُهُ وَحُكْمُ الْحَاكِمِ لِأَبَوَيْهِ وَوَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ بَاطِلٌ‏)‏ أَيْ حُكْمُ الْمُحَكَّمِ وَالْمُوَلَّى جَمِيعًا لِأَنَّهُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لَهُمْ وَكَذَا لَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ لَهُمْ لِأَجْلِ التُّهْمَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَكَمَ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِمْ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ فَكَذَلِكَ الْقَضَاءُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏